اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 377
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ اى بعد انقضاء السبع الشداد عامٌ ذو بركة ورخاء فِيهِ يُغاثُ ويمطر النَّاسُ بعد ما منعوا من القطر والمطر مدة مديدة وَصار الناس من كمال الخصب والرخاء وكثرة الفواكه فِيهِ يَعْصِرُونَ الأدم من العنب والخرنوب وانواع الحبوب وبالجملة كل ما جاء به يوسف عليه السّلام من التأويل والتدبير انما هو مستند الى الوحى والإلهام والعلم برقائق المناسبات الواقعة بين ذرائر الأكوان ولما سمع الشرابي من يوسف ما سمع تسارع نحو الملك وأخبره ما سمع من التعبير
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فأرسل من يحضره فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ ليخرجه من السجن قالَ يوسف لا اخرج من السجن ما لم يظهر براءتي وعصمتي وطهارة ذيلي وكمال عفتي مما يرموننى ويسجنوننى بسببه ارْجِعْ ايها الرسول إِلى رَبِّكَ سيدك فَسْئَلْهُ ان يكشف عن امرى وما جرى على من أولئك المفترين سيما ليسئل ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وما امرهن وشأنهن معى إِنَّ رَبِّي الذي رباني بكمال العصمة والعفة بِكَيْدِهِنَّ ومكرهن الذي قد قصدن معى عَلِيمٌ على التفصيل الذي يخفين في نفوسهن يجازيهن في يوم الجزاء بمقتضى علمه
ثم لما رجع الرسول الى الملك واخبر عن حاله ومقاله بادر الملك الى إحضار تلك النسوان فحضرن قالَ الملك لهن مستفهما عنهن مفتشا عما جرى بينهن وبين يوسف ما خَطْبُكُنَّ وشأنكن أيتها الماكرات المحتالات إِذْ راوَدْتُنَّ وخادعتن بأنواع الحيل والخداع يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ واى شيء ظهر منه من امارات الفساد وعلامات الفسوق حتى تجترئن أنتن بمراودته قُلْنَ بأجمعهن بعد ما سمعن كلام الملك واستفساره على وجه الانتقام حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ وفعلة ذميمة وديدنة قبيحة باعثة لنا الى مراودته سوى انا قد رأيناه على صورة عجيبة وحسن بهى بديع وقد ملنا اليه وأردنا مخالطته فاستعصم من كمال عفته ونجابة طينته ثم قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ عند الملك بعد ما بدا ما اخفت وفشا ما سترت مقرة مقررة معترفة بطهارة ذيله الْآنَ قد حَصْحَصَ اى لاح وظهر الْحَقُّ وارتفع عنه الحجب وانكشف الأستار أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ بعد ما قد شغفنى حبه وازعجنى ميله وَإِنَّهُ في نفسه وعموم أقواله وأفعاله لَمِنَ الصَّادِقِينَ المبرئين المنزهين عما افترينا عليه ورمينا به
ثم لما انكشف امره عند الملك وثبت براءته لديه أرسل الرسول اليه ثانيا ليخرجه من السجن قال يوسف حينئذ بمقتضى الحكمة الصادرة من السنة الأنبياء توطينا لنفس العزيز وتسلية له ليجزم انه ما أساء الأدب في السر والعلانية ذلِكَ الكشف والتفتيش انما هو لِيَعْلَمَ العزيز يقينا أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ حين انغلاق الأبواب السبعة على وانا مع زوجته فكيف مع غيرها وَليعلم العزيز ايضا أَنَّ اللَّهَ المطلع بعموم ما جرى على عباده لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ ولا يوصل اهل الخيانة مطلقا الى ما يقصدونه اليه بكيدهم وحيلهم بل يفضحونهم بها على رؤس الاشهاد في الاولى والاخرى
ثم قال هضما لنفسه وكسرا لها وَما أُبَرِّئُ وانزه نَفْسِي عن مطلق الفرطات والغفلات وعن عموم الخواطر القبيحة والديدنة الشنيعة بمقتضى القوى الشهوية واللذة البهيمية وكيف ابرئ وانزه إِنَّ النَّفْسَ المركوزة في الجبلة الانسانية لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ مائلة بالطبع الى الفساد متوجهة نحوه ان خليت وطبعها إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي وحفظها من كمال رحمته وشفقته من طغيانها ومن وسوسة الشيطان المضل المغوى إليها إِنَّ رَبِّي الذي رباني بالعصمة والعفاف غَفُورٌ لما صدر عنى من الخواطر النفسانية رَحِيمٌ يرحمني
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 377